📁 آخر الأخبار

كيف خسر متجرٌ بيعته… وربحني درساً تسويقياً لا يُنسى

 مبارح صار موقف بسيط… لكنه كشف لي أكبر خطأ بيدمر مبيعات المتاجر

السيناريو كما حدث حرفياً

في يومٍ عادي تماماً، وبمزاج هادئ، قررتُ  أنا أيوب أمرّ على معرض نثريات وأدوات منزلية معروف في الشميساني، تحديداً في شارع الثقافة. كنتُ بدي اشتري قطعة بسيطة جداً، شيء لا يأخذ دقيقة من وقتي. صفّيت السيارة على باب المعرض تماماً، نزلت، وتوجهت للمدخل.


ما إن دخلت، حتى تقدم إليّ شاب يعمل هناك، واضح عليه الحماس، وابتسامة لطيفة مرسومة على وجهه، وسألني:
"شو بتحتاج أخوي؟"

جاوبته بكل بساطة:
"بدي القطعة الفلانية."

ردّ علي مباشرة، وبلا تردد:
"للأسف غير متوفرة عنا."

قالها وهو يعتذر، والنية كانت طيبة وواضحة… لكنه قتل أي احتمال للبيع في نفس اللحظة.
أنا شكرته، استدرت، وخرجت مباشرة.
دقيقتين من بعد ما دخلت… كنت رجعت للسيارة، وطلعت على محل ثاني بطريقي… واشتريت القطعة بكل بساطة.

لكن السؤال الحقيقي مش هون.
اللي استوقفني فعلاً هو التصرف نفسه.

ليش؟

لأن موظفاً واحداً… بكلمة واحدة… قتل فرصة بيع، وفرصة تعريف زبون بالمنتجات، وفرصة بناء تذكّر ذهني، وفرصة تسويق مجانية، وفرصة احتمالية لزيارات مستقبلية.

مش بس هيك… قتل أقوى خطوة تسويقية ممكن يحصل عليها أي متجر بالعالم:
إنو الزبون يدخل عندك ويشوف منتجاتك.


ليش تصرف الموظف "خاطئ" رغم إن نيته 100% ممتازة؟

مبدئياً… خلينا نوضح شيء:

الشاب لم يخطئ بالأخلاق، بالعكس… كان مهذب، مبتسم، ومتعاون.
ولكنه أخطأ في فهم القانون الذهبي للتسويق:

الناس نادراً تشتري الشي اللي هي نازلة تشتريه…
وغالباً تشتري شيء ما كان على بالها أصلاً.

إنت لو قلتلي:
"مش عارف إذا ضل منه، بتقدر تشوف بقسم كذا"
أنا كنت رح أدخل للداخل، ألف بالمكان، أشوف المنتجات، يمكن يعجبني شيء… ويمكن أشتري شيء أنا ناسي إني بحتاجه.

أو يمكن أكتشف منتج عندك، وأقول بنفسي:
“صح! هاد اللي كنت أدور عليه قبل شهر!”
وبرجع أشتريه فوراً.

أو يمكن ما أشتري اليوم…
بس بشتري بكرة، أو الأسبوع الجاي، أو أول ما يخطر ببالي احتياج معين… وبتذكّر إنك موجود.

هذا اسمه ترسيخ الذاكرة الشرائية.


المتجر خسر 4 أشياء في أقل من 30 ثانية

  1. خسر فرصة بيع مباشرة
    سواء القطعة موجودة أو لا، كان في احتمال كبير إني أشتري شيء آخر.

  2. خسر فرصة تعريف زبون على منتجات جديدة
    وهذا لحاله كنز… لأن الزبون لما يمشي بين الرفوف، بصير عنده triggers شرائية.

  3. خسر فرصة تذكّر العلامة التجارية
    لما أنا أشوف مكانك من جوا، بصير عقلي يربط المنتجات في ذهني بموقعك الجغرافي.

  4. خسر فرصة زيارة مستقبلية
    لأن الدماغ ما رح يخزن صورة واضحة عن المتجر، وبكرا لما أحتاج شيء… غالباً ما رح يخطر ببالي.

كل هاي الخسائر حصلت بسبب جملة واحدة:
"غير متوفرة."


التسويق مش خدمة… التسويق “سلوك”

الشب كان بده يخدمني… لكن الخدمة الحقيقية مش إنك تجاوب بسرعة.
الخدمة الحقيقية إنك تفكّر بمصلحة العميل ومصلحة المتجر مع بعض.

لما الزبون يسألك عن شيء مش متوفر…
مش معناته إنو انتهت الرحلة.

بالعكس… هون بتبدأ الرحلة.

لازم تتعامل مع النفس البشرية… مش مع قائمة منتجات.

 

أولاً: كيف يفكّر الزبون فعلياً؟ (وليس كما نعتقد نحن)

الناس — بطبيعتها — ما بتشتري دائماً لأنها محتاجة.
أغلب عمليات الشراء في العالم قائمة على التحفيز اللحظي، أو ما يسمى:

Impulse Buying – الشراء الاندفاعي

الإنسان لما يدخل متجر…
بيصير يتأثر بالألوان، الترتيب، الأرفف، المنتجات الجديدة، الأفكار الطازجة، التذكير باحتياجات قديمة نسيها، عروض لم تكن على باله، وغيرهم.

يعني بمجرد دخولي لمعرض الشميساني، حتى لو القطعة اللي بدي إياها مش موجودة…
في احتمالية كبيرة جداً إني أشتري:

  • قطعة ثانية كنت ناسي إني بحتاجها

  • قطعة ثالثة عجبتني وأنا بتمشى

  • ألاحظ شيئاً يجعلني أرجع مرة ثانية

  • أحكي عن المحل لغيري

  • أو على الأقل… يترسّخ في عقلي كمكان فيه “ألف صنف لازم أرجعلهم”

وهون يجي الخطأ الفادح في طريقة تفكير الموظف…

هو اعتقد إن دوره هو يخبرني بالمعلومة: “القطعة مش موجودة”.

لكن دوره الحقيقي — كمسوّق أولاً، وبائع ثانياً — هو إنه:

يدخلني عالم المتجر… مش بس يعطيني إجابة.


ثانياً: ليش دخول الزبون أهم من البيع نفسها؟

هاي النقطة هي قلب المقال… وهي أهم درس لازم يفهمه كل صاحب معرض وكل موظف مبيعات.

1) لأن دخول الزبون = تسويق مجاني أقوى من الإعلان

إعلانات الفيسبوك والانستغرام والتلفزيون واليوتيوب… كلهم هدفهم:
يدخل الزبون محلك.

ولما يدخل فعلاً؟
أنت ربحت أغلى شيء بلا تكلفة:
العميل شاف منتجاتك بعينه.

وهذا أهم من ألف إعلان.


2) لأن الدماغ يخزّن صورة المتجر

الإنسان لما يشوف المكان من جوا، يشوف الترتيب، الألوان، الكميات، الأصناف…
بصير عنده صورة ذهنية ثابتة.

بكرا لما يحتاج شيء… الدماغ بذكره فوراً:
“في محل فيه آلاف القطع… موجود بالشميساني.”

حتى لو ما اشترى اليوم — بكرا رح يرجعلك.


3) لأن 70% من المبيعات في المتاجر تأتي من منتجات “غير مخطط لها”

وهذا رقم عالمي.
الناس بتروح لمول تشتري شغلة… بتطلع معهن 10.

الناس بتروح لمعرض أدوات… بتشتري أشياء ما كانت على بالها.

أنت كمحل… كل هدفك تستغل هاي اللحظة.


4) لأن مجرد دخول الزبون يرفع احتمالية عودته مستقبلاً

لو خرجت من باب المتجر بلا ما أشوف شيء…
ما رح أحفظ شكل المحل ولا وين موقعه بالضبط ولا شو ببيع ولا شو شكله من الداخل.

لكن… لو دخلت وتمشيت دقيقة؟
خلاص… المتجر صار جزء من “خريطة عقلي الشرائية”.


ثالثاً: وين المشكلة الحقيقية؟ (المشكلة مش بالموظف… المشكلة بالفكرة)

الموظف بالمعرض تصرف على أساس إن:

“إذا ما عندي المنتج… شو أستفيد من دخوله؟”

لكن السؤال الحقيقي لازم يكون:

“كيف أستفيد من دخوله حتى لو ما عندي اللي بده؟”

وهون ببدأ التسويق الحقيقي.


رابعاً: ما يجب أن يفهمه كل موظف وكل صاحب معرض

1) الزبون دخل عندك = كنز

حتى لو ما اشترى شيء، حتى لو بس تمشى… أنت ربحت exposure مجاني.

2) ممنوع تمنع نفسك من هذا الكنز

لما تحكي للزبون: “مش موجود”…
أنت سكّرت الباب بإيدك.

3) التعامل مع البشر أهم من التعامل مع المخزون

الزبون مش جاي يعمل جرد…
الزبون جاي يعيش تجربة.


خامساً: شو كان لازم يعمل الموظف؟ (السيناريو الذهبي)

بدل ما يحكي:
“غير متوفر.”

كان لازم يحكي إحدى الجمل التالية:

الجملة الذهبية 1:

"مش متأكد إذا ضايل منه، ممكن تشوف بالقسم الفلاني؟ عادةً منحط النوعيات هاي هناك."

هيك…
أنا بدخل المحل…
وأشوف 500 منتج قدامي…
واحتمال كبير أشتري.


الجملة الذهبية 2:

"تعال نشوف مع بعض، مرات بتكون قطعة مخبية أو آخر وحدة."

وهو يمشي معي…
بيعرفني على الأقسام…
وبينفتح مجال البيع.


الجملة الذهبية 3:

"للأسف يبدو خلص، بس عنا قطع قريبة عليها… تعال أفرجيك."

من الآخر:
حوّل “لا يوجد” إلى “لكن عندي شيء آخر”.


سادساً: التسويق فيه شوية “مكر لطيف”

مش مكر بمعنى خداع…
لا.

مكر بمعنى ذكاء بالتعامل مع النفس البشرية.

مثلاً:

  • لو منتج مش موجود…
    ما تحكي هيك مباشرة.
    خليه يلف شوي، يشوف، يتعرّف.

  • لو ممكن توفره بكرا…
    قول: “بكرا بوصل، بمرّ عليك؟ أو تبقى على تواصل؟"

  • لو أنت فاتح متجر فيه 5000 صنف…
    مستحيل كل زبون يدخل ويطلع بدون ما يعجبه إشي…
    إلا إذا قتلت فرصة الدخول من الأساس.

    سابعاً: كيف تبني “ثقافة المبيعات الذكية” داخل أي متجر؟

    التسويق مش بروشور، ولا إعلان إنستغرام، ولا ستيكر على باب المحل.
    التسويق الحقيقي يبدأ من داخل المتجر… من الموظف نفسه، من أسلوب الاستقبال، من الجملة الأولى اللي بتطلع من فمه، ومن قدرته يفهم نفسية الزبون قبل ما يفهم المنتج.

    عشان هيك لازم يكون عندك قواعد ثابتة:


    1) قاعدة: ممنوع كلمة “مش موجود” تنحكى فوراً

    هاي الكلمة أخطر من الإغلاق المبكر، ومن غلاء الإيجار، ومن ضعف الحركة التجارية.

    ليش؟

    لأنها تقتل أهم شيء:
    تفاعل العميل مع المتجر.

    بدل “مش موجود”، علّم موظفك يحكي:
    "خليني أشوف، عادةً منحط هاي الأصناف بالقسم الفلاني…"

    هيك أنت تكسب وقت ذهبي يكون فيه الزبون داخل المتجر… يتعرف… يشوف… ينفتح.


    2) قاعدة: العميل إذا دخل عندك فهو دخل لأنه عنده “ناقص نفسي”

    هاي بدها فهم شوي…

    الزبون لما يدخل محل أدوات، أو نثريات، أو إكسسوارات…
    غالباً هو مش جاي يشتري شيء واحد.
    هو جاي “يهدّي فضوله”، يشوف الجديد، يشوف شو نازل، يمكن يخطر بباله شيء.

    يعني:

    لو خليته يمشي خطوة واحدة بين الرفوف… أنت ربحت نصف معركة البيع.


    3) قاعدة: كل سؤال من العميل = فرصة ذهبية

    حتى لو سألك عن شيء غير موجود نهائياً…
    لا تتعامل مع السؤال على إنه عبء.
    تعامل معه كـ:

  • مدخل لجولة داخل المتجر

  • مدخل لبيع منتج بديل

  • مدخل لتعريفه بمنتجات جديدة

  • مدخل لبناء علاقة مستقبلية

الموظف الذكي ما برد على السؤال…
الموظف الذكي يستثمر السؤال.


4) قاعدة: التخطيط النفسي للمسار داخل المتجر

وهذا شيء المتاجر العالمية عاملاه منذ عقود:

  • IKEA

  • Home Center

  • Decathlon

  • Miniso

  • Daiso

هاي الشركات مش ماخذة أمجادها صدفة.

كل رف…
كل لون…
كل كورنر…
كل مسار…
كل منعطف…

مدروس بطريقة تخليك “تبرم” وتشوف أكبر قدر ممكن من المنتجات.

ليش؟
لأنهم فاهمين إن دخولك أهم من محفظتك.


ثامناً: تدريب الموظفين على “التسويق السلوكي”

1) شرح مفهوم: الزبون لا يعرف ماذا يريد إلا بعد أن يراه

قول لموظفينك:
“الزبون مش جاي يعمل CheckList…
الزبون جاي يمشي ويشوف.”

ما دام دخل…
انت ربحت.


2) تدريب الموظف على استخدام لغة إيجابية دائماً

ممنوع:

  • “مش موجود”

  • “خلص”

  • “ما عنا”

  • “مش هيك النظام”

ويسمح:

  • “خليني أساعدك ندور عليه”

  • “عادةً بيكون بقسم كذا…”

  • “عنا قطع شبيهة جداً ممكن تعجبك”

  • “ممكن أطلبلك قطعة جديدة توصلك بكرا”

شوف الفرق بين اللغتين؟
الأولى بتطرد…
الثانية بتفتح الباب.


3) تدريب الموظف على التحرك داخل المتجر مع العميل

هاي اسمها:

Human Guided Exposure

يعني:
كل خطوة يمشيها الموظف مع الزبون = تعرضه لمنتجات أكثر.

وكشفه لمنتجات أكثر = احتمالية شراء أعلى.


4) تدريب الموظف إنه يعتبر نفسه “مستشار” مش بائع

الناس ما بتحب البائع…
لكنها تحب المستشار.

الزبون يحب يسمع:

  • “أنا بنصحك بهاي لأنها أقوى.”

  • “هاي بتعيش معك أكثر.”

  • “هاي أكثر عملية.”

  • “هاي أكثر مبيعاً.”

هاي الجمل لحالها بترفع المبيعات 50%.


تاسعاً: أمثلة حقيقية من متاجر عالمية وكيف تستفيد منها

IKEA

يدخلك بمسار إجباري…
لأن مجرد مشيك بين أقسامه… يخليك تشتري أشياء ما كنت تفكر فيها.


MINISO – DAISO

بيعتمدوا على “الصدمات البصرية الحكيمة”:
ألوان – ستاندات – عروض – منتجات صغيرة مغرية – 3 دينار – 5 دينار.

بيفكروا بعقلك… مش بجيبك.


Starbucks

أنت ما بتروح تشرب قهوة…
أنت بتروح تعيش “تجربة”.

وهيك لازم يكون المحل:
مش مجرد مكان بيع… لازم يكون تجربة.


عاشراً: خطوات عملية تربح فيها الزبون قبل ما تربح المصاري

1) اجعل أول جملة من الموظف جملة ذكية

لا تسأل بس: “شو بدك؟”
اسأل:
"شو الأشياء اللي بتدور عليها اليوم؟"
جملة بتفتح مجال أوسع.


2) خليه يلف ويتعرف

وجهه على قسم بعيد…
حتى يدخل جوّ المتجر.


3) إعرض منتج بديل بحماس

مش بس “هاي بديلة”
لا…
احكيله:
"هاي أفضل… وعليها طلب عالي."


4) اعمل Follow-up غير مباشر

لو كان المنتج ناقص:
“بكرا بوصل، بتحب أمر عليك؟ أو تبعثلي على الواتساب؟”

هاي الجملة وحدها بتخلي الزبون يحس إنك موجود لخدمته.


5) بنِ علاقة… مش عملية بيع واحدة

البيع الحقيقي مش مرة واحدة.
البيع الحقيقي إنك تصير من أول 3 محلات بيخطروا بباله دائماً.

وهذا يتحقق فقط لما يدخل ويرى منتجاتك…
مش لما توقفه على الباب.


الحادي عشر: الخلاصة الذهبية للمقال كامل

الدرس اللي لازم يفهمه أي بائع بالعالم:

الزبون اللي دخل محلك… أعطاك نعمة لازم تستغلها.
وأسوأ شيء تعملو إنك تطلعه قبل ما يشوف منتجاتك.

التسويق مش خدمة…
التسويق سلوك.
التسويق مش إنك تجاوب على سؤال…
التسويق إنك تستثمر السؤال.

التسويق مش إنك تقول: “غير متوفر.”
التسويق إنك تخلي الزبون يشوف 1000 صنف قبل ما يسمع كلمة “للأسف”.

والأهم من هيك:
لازم كل صاحب معرض يفهم إنه:

دخول العميل = إعلان مجاني
مشاهدة المنتجات = فرصة بيع
التجربة = ذكريات
والذكريات = زيارات مستقبلية بدون إعلان واحد.

والتسويق — بالنهاية — بده شوية ذكاء… ومكر لطيف… وفهم للنفس البشرية.

  •  

تعليقات