📁 آخر الأخبار

مفيش وقت للانهيار: كيف بنتعلّم نعيش ونتوازن وإحنا بنعيّط وبنشتغل

 

في الحياة العملية الحديثة، صارت الجملة الشهيرة: “مفيش وقت للانهيار، احنا بنشتغل واحنا بنعيّط” مش مجرد نكتة أو مبالغة، لكنها واقع بيعيشه جيل كامل يوميًا. بنشتغل وإحنا متعبين، بنبتسم وإحنا موجوعين، بنرد على الإيميلات وإحنا بنحاول نخنق دموعنا في صمت، وبنحضر اجتماعات الزوم وقلوبنا أصلاً في مكان تاني. ومع الوقت، بقينا نحاول نلاقي “توازن” ما بين الحياة والشغل، بس الحقيقة إن المعادلة دي بقت معقدة جدًا: أربع ساعات ونص انهيار، وأربع ساعات ونص شغل، ونقول “كده تمام، تسعة ساعات إنتاجية والعالم بخير”.


 

لكن السؤال الحقيقي اللي بيبدأ منه كل ده: إحنا فعلاً بدأنا يومنا بانهيار ولا بالشغل؟


العمل وسط العاصفة: حين يصبح الانهيار جزء من الروتين

زمان كان الانهيار يُعتبر علامة خطر. دلوقتي، بقى جزء من الجدول اليومي. بنفوق الصبح مش لأننا مرتاحين، لكن لأن المنبه صرخ قبل ما الأفكار تبتلعنا. نغسل وشّنا مش عشان النشاط، لكن عشان نخفي آثار السهر والتعب، وبنلبس “وجه الشغل” اللي اتعودنا نحطه عشان نكمل الدور.
الغريب إننا بنشتغل كويس جدًا رغم ده. يمكن لأننا اتدربنا على إن الألم مش مبرر للتوقف، أو يمكن لأننا اتعلمنا إن الدنيا مش هتستنى حد يرتاح.

بقت الجملة “مفيش وقت للانهيار” شعار مرحلة، عنوان مختصر لحياة مليانة ضغط، لكن فيها كمان نوع من البطولة الصامتة. لأننا رغم كل ده، لسه بنحاول، ولسه بنقوم كل يوم، ولسه بنكمّل حتى لو النفس قصير.


التوازن الكاذب: Work-Life Balance في زمن الإنهاك

كل الكتب والمقالات والمحاضرات بتتكلم عن “التوازن بين الحياة والعمل” كأنه وصفة سحرية. لكن لما تطبقها على أرض الواقع، تكتشف إنها مش دايمًا منطقية. إزاي توازن بين شغل بيستهلكك وحياة بتحاول تستعيد فيها نفسك؟
إزاي تكون موظف مثالي، وأب أو أم أو صديق أو إنسان طبيعي في نفس الوقت؟

الحقيقة إن التوازن مش دايمًا خمسين في المية شغل وخمسين في المية راحة. ساعات بيكون التوازن إنك تسمح لنفسك تبكي شوية، وتقوم تكمّل. أو إنك تقول “مش قادر النهاردة”، من غير ما تحس بالذنب.
التوازن مش جدول زمني، هو مرونة داخلية. هو إنك تعرف إمتى توقف لحظة عشان تستعيد نفسك قبل ما تكمل.


أربعة ساعات ونص انهيار… أربعة ساعات ونص شغل

تجربة الجيل الحالي مع العمل مختلفة جدًا عن الأجيال اللي قبل. إحنا جيل بيحاول ينجح في عالم مفيهوش استقرار، بيواجه ضغط المنافسة، غلاء المعيشة، وأحيانًا الوحدة. فصار طبيعي إن جزء من يومك يروح في محاولات التعافي، وجزء تاني في محاولات البقاء.
يعني، الصبح انهيار بسيط، وبالليل شغل من غير توقف. النتيجة؟ مش مثالية، لكنها واقعية.

في الحقيقة، “الانهيار” أحيانًا بيكون وسيلة دفاع. الجسم والعقل بيقولوا: “كفاية شويّة”. ولما تسيب لنفسك المساحة دي، حتى لو ساعة، بترجع تشتغل بكفاءة أكتر. يعني هو مش ضعف، بالعكس، نوع من الذكاء الإنساني: إنك تعرف إمتى لازم توقف مؤقتًا عشان ما تنهارش تمامًا بعدين.


العمل العاطفي: لما الشغل يبقى مرتبط بالمشاعر

في عالم اليوم، ما بقاش الشغل مجرد مهام بتخلصها. بقى فيه مشاعر، ضغط نفسي، خوف من الفشل، ورغبة دائمة في إثبات الذات. حتى الـ “Zoom meeting” البسيطة بقت ساحة فيها توتر، تقييم، وصراع داخلي.
إحنا بنشتغل مش بس بعقلنا، لكن كمان بمشاعرنا. كل إيميل فيه جزء من خوفنا، وكل مهمة فيها أثر من إرهاقنا.

وعشان كده، فكرة “بنشتغل وإحنا بنعيّط” مش مجرد جملة حزينة، دي توصيف دقيق لحالة العمل الحديثة. إحنا بنقدم أداءنا وسط فوضى داخلية. بس الغريب؟ لسه بننجح.


الوجه المهني والوجه الحقيقي

كتير من الناس بيعيشوا حياتين في يوم واحد: حياة ظاهرية مهنية محترفة، وحياة داخلية فيها كل المشاعر اللي ما ينفعش تبان.
في المكتب أو الكول سنتر أو الاجتماعات، بنضحك، بنهز راسنا، بنجاوب بلُطف. وبعد الدوام، بنقعد في العربية شوية نكتم دموعنا.
مش لأننا ضعفاء، لكن لأننا بشر. واللي مش قادر ينهار في العلن، بينهار في السر.

يمكن التوازن الحقيقي مش إنك تمنع الانهيار، لكن إنك تسمح له يحصل بحدود آمنة. ما تسيبوش يكسرك، بس كمان ما تكتموش جواك لحد ما ينفجر.


المجتمع اللي بيمجّد “الصمود الدائم”

المشكلة مش في الناس اللي بتنهار، المشكلة في الثقافة اللي بتخلي الانهيار عيب. اللي بتخليك تحس إنك لازم تكون قوي على طول.
في بيئة العمل الحديثة، مطلوب منك تبقى “متماسك، إيجابي، متفائل، proactive”، حتى لو أنت من جواك محطم.
المجتمع بيكافئ اللي يبتسم رغم الألم، بس نادرًا ما يسأل عن السبب الحقيقي ورا التعب ده.

ودي مفارقة كبيرة: كلنا بنعاني، وكلنا بنخاف نحكي، لأننا متعودين نخفي ضعفنا زي ما بنخفي كلمة السر. بس الحقيقة إن كلنا في المركب نفسه. يمكن الاختلاف بس في توقيت الانهيار: واحد انهار الصبح، وواحد بالليل.


السؤال اللي يفتح النهار: “بدأت اليوم بانهيار ولا بالشغل؟”

سؤال بسيط، بس فيه عمق كبير. هو مش مجرد دعابة صباحية، هو مرآة لحياتنا اليومية.
لأن في الحقيقة، فيه أيام بتبدأ بالشغل، بس بتخلص بانهيار. وفيه أيام العكس: بتبدأ بانهيار، بس بتخلص بشغل رائع.
الاثنين طبيعيين. والاثنين بيقولوا إنك لسه بتقاوم، ولسه بتحاول توازن الكفّتين.

السؤال الأهم مش “انهرت ولا اشتغلت؟”
السؤال هو: “هل سمحت لنفسك تكون إنسان النهاردة؟”
هل سمحت لنفسك ترتاح لما تعبت؟
هل سمحت لقلبك يقول لأ، حتى لو دماغك قال لازم تكمّل؟
لو الإجابة نعم، يبقى انت بتتعلم التوازن الحقيقي مش من الكتب، لكن من التجربة.


المعادلة الجديدة: النجاح مش ضد الانهيار

زمان كانوا بيقولوا “الناجح ما بيتهزش”، بس دلوقتي عرفنا إن النجاح الحقيقي هو إنك “تتهز وتقوم تاني”.
مش لازم تبقى قوي طول الوقت، كفاية تكون صادق مع نفسك.
فيه ناس بتنجح لأنها عمرها ما انهارت، وفيه ناس بتنجح لأنها انهارت عشر مرات، وكل مرة قامت بطريقة مختلفة.

الانهيار مش نهاية، هو فصل من الرحلة. يمكن مؤلم، لكنه بيكشف لك حاجات عن نفسك مش هتعرفها وإنت ثابت.
هو اللي بيخليك تعرف حدودك، وبيفكرك إنك إنسان مش آلة.


الخلاصة:

مش عيب إنك تبدأ يومك بانهيار، ولا عيب إنك تكمّل شغلك وإنت مش بأفضل حالاتك.
العيب الوحيد إنك تفتكر إنك لازم تكون كامل طول الوقت.
إحنا بشر، والتوازن مش دايمًا مثالي، لكنه ممكن يكون واقعي: شوية انهيار، شوية شغل، شوية صمت، شوية ضحك.
وفي النهاية، كله بيمشي.

فالسؤال اللي لازم تسأله لنفسك كل صباح مش “هل أنا تمام؟”
لكن: “هل أنا صادق مع نفسي النهاردة؟”
لو الإجابة آه—even لو انهيار نص يوم وشغل نص يوم—يبقى لسه فيك أمل، ولسه الدنيا فعلاً “زي الفُل”.


هل بدأت يومك بانهيار ولا بالشغل؟
يمكن الاتنين مع بعض… ومش لازم تختار. لأنك مش روبوت، أنت إنسان… وده في حد ذاته إنجاز كافي لليوم.

تعليقات