في كثير من المؤسسات، صار في وهم منتشر بشكل غريب: إنو كل ما الاجتماع طال، بيكون أهم وأعمق وأكثر "احترافية". بنشوف اجتماعات تمتد لساعتين أو ثلاث، الكل بيحكي، الكل بيقاطع، الأصوات تتداخل، الأوراق تتطاير، البروجكتر شغال، والناس عم تهز براسها وكأنها فاهمة، وفي النهاية… ما بيطلع ولا قرار فعلي.
بنرجع بعد يوم، بعد أسبوع، أو حتى بعد شهر، بنكتشف إنو كل الحكي اللي صار ما تغير عنه شيء بالحياة العملية. المشاريع بعدها متوقفة، المهام بعدها معلّقة، والمشاكل بعدها نفسها. وكأن كل اللي صار هو جلسة تفريغ كلام، لا أكثر ولا أقل.
بينما بنفس الوقت، بتصير تشوف مشهد ثاني مدهش: اجتماع مدته عشر دقايق، بيحضره شخص أو اثنين أو ثلاثة بالكثير، الكل مركز، النقاش مباشر، محدد، بدون لف ودوران، وبنهاية العشر دقايق بيطلعوا بخطة عمل كاملة لشهر، أو حتى ربع سنة.
هون بتفهم الحقيقة البسيطة اللي كثير ناس مش شايفينها: طول الاجتماع مش دليل على جديته… التركيز هو اللي بيصنع القيمة.
ظاهرة الاجتماعات الطويلة: متى صار الحكي أكثر من الفعل؟
كثير من الشركات، خصوصاً الكبيرة أو اللي فيها بيروقراطية عالية، صار عندها ثقافة غريبة تجاه الاجتماعات. كل ما صار في مشكلة، بدل ما يتوجهوا للحل، أول شيء بيحكوا: "خلينا نعمل اجتماع".
والمشكلة مش بالاجتماع نفسه، المشكلة إنو صار بديل عن التفكير.
بدل ما يحلوا المعضلة بخطوات عملية، بيقعدوا يحكوا فيها لساعات طويلة، وبيطلعوا من الاجتماع بنفس النقطة اللي بلشوا منها.
الأخطر من هيك، إنو هاي الاجتماعات الطويلة بتخلق وهم الإنجاز.
المدير بيحس إنه اشتغل لأنه قضى ثلاث ساعات "في اجتماع".
الموظفين بيحسوا إنهم ساهموا لأنهم "شاركوا بالنقاش".
بس فعلياً؟ ما تغير شيء. الإنتاج صفر، الفائدة صفر، والوقت الضائع مهول.
السبب النفسي وراء حب الاجتماعات الطويلة
جزء من الناس بيحب الاجتماعات الطويلة لأن فيها نوع من الراحة النفسية.
ما فيها ضغط حقيقي ولا إنجاز ملموس.
أنت قاعد، بتحكي، بتناقش، بتحلل، بس ما في مسؤولية مباشرة على نتيجة.
بتحس إنك عم تشتغل، بينما فعلياً أنت ما عم تنتج.
هاي الظاهرة اسمها في علم النفس الإداري “نشاط بلا إنتاجية” (Activity without Productivity) — نوع من الخداع الذاتي المهني، يعطيك شعور بالإنجاز بدون ما تقدم نتيجة فعلية.
وهاي الحالة بتكون مغرية جداً، خاصة للمديرين أو الأقسام اللي عندها بطء باتخاذ القرار. الاجتماع الطويل بيغطي على ضعف القيادة. كل ما حدا سأل: “ليش ما أنجزتوا؟” بيكون الرد جاهز: “كنا في اجتماع مهم!”
مقارنة بين الاجتماع الطويل والقصير
| المقارنة | الاجتماعات الطويلة والعشوائية | الاجتماعات القصيرة المركزة |
|---|---|---|
| المدة | من ساعة إلى ثلاث ساعات (وأحياناً أكثر) | من 5 إلى 20 دقيقة كحد أقصى |
| التحضير | بدون جدول واضح، الجميع بيحكي | جدول محدد، نقاط مختصرة |
| الهدف | “نتناقش” | “نقرر” |
| النتائج | غالباً لا يوجد قرار نهائي | خطة تنفيذ واضحة بخطوات محددة |
| المشاركين | عدد كبير من الحضور | عدد قليل من الأشخاص المعنيين فقط |
| الإدارة | فوضى وصوت عالي ومقاطعات | قيادة حازمة وتنظيم واضح |
| الجو العام | تعب، ملل، تشتيت | تركيز، وضوح، سرعة |
الاجتماعات الطويلة تستهلك الطاقة الذهنية بشكل كبير.
كلما زاد الوقت، كلما قلت جودة التفكير.
الأبحاث الحديثة في علم السلوك التنظيمي بتوضح إن الدماغ بعد 45 دقيقة من الاستماع والمناقشة، يبدأ يفقد قدرته على التركيز واتخاذ القرار.
يعني اجتماع مدته ساعتين فعلياً بينتهي بعد أول نصف ساعة… والباقي مجرد ضياع وقت.
لما تكون الاجتماعات "استعراض حضور" مش "اتخاذ قرار"
في بعض المؤسسات، الاجتماعات الطويلة بتتحول لمسرح.
المدير بده يثبت وجوده، الموظف بده يثبت إنه “فاهم”، الكل بده يحكي أكثر حتى يبين إنه نشيط.
وبالتالي بتتحول الجلسة لعرض كلامي جماعي.
الناس بتكرر نفس النقاط بأشكال مختلفة، بدون هدف فعلي.
والنتيجة: تعب، تشويش، واستنزاف للوقت والموارد.
وهون الفرق بين إدارة فعالة وإدارة متخبطة. المدير الناجح مش اللي بعرف يعمل اجتماع طويل، بل اللي بعرف يطلع من 10 دقايق بقرار ذكي.
الاجتماع بالنسبة له وسيلة، مش غاية.
سرّ الاجتماعات القصيرة والفعالة
في الاجتماعات القصيرة، الوقت بيكون محدد بدقة، والهدف واضح من البداية.
ما في “نحكي شوي وبعدين نشوف”.
من أول دقيقة الكل بيعرف ليش موجود، شو القرار المطلوب، وشو المعايير اللي راح يتم عليها النقاش.
فيها احترام للوقت ولذكاء الناس.
ما في تكرار، ما في استعراض، ما في مجاملات.
الكل عارف إن كل دقيقة محسوبة.
هاي الاجتماعات بتبني ثقافة تركيز حقيقية، وبتعزز الثقة بين الفريق لأن الناس بتشوف نتائج ملموسة.
في كثير شركات عالمية مثل Google وAmazon عندها سياسة صارمة بخصوص مدة الاجتماعات:
الاجتماع اللي ما يقدر يخلص خلال 20 دقيقة يعتبر فاشل في تصميمه.
Jeff Bezos كان يحكي دايماً إن أفضل الاجتماعات هي اللي فيها أقل عدد ممكن من الناس وأقصر وقت ممكن.
لأن كثرة الناس = ضياع التركيز.
وطول الوقت = ضعف القرار.
كيف تتحول الاجتماعات إلى عبء قاتل على الإنتاج؟
في بيئات العمل العربية خصوصاً، صار في هوس بـ"نقعد نحكي".
الموظف بيحس إنه لو ما في اجتماع، يعني الإدارة مش عم تشتغل.
بس النتيجة العكسية تماماً:
كل اجتماع إضافي يعني ساعات ضائعة كان ممكن تُستثمر في تنفيذ المهام.
بتخيل لو عندك خمسة موظفين، كل واحد قاعد باجتماع ساعتين كل يوم.
يعني 10 ساعات عمل ضاعت يومياً، بدون إنتاج.
ولما نحسبها بالشهر؟ أكثر من 200 ساعة ضائعة — وقت كان ممكن يتحول لمشاريع جديدة، تطوير أفكار، أو تحسين الأداء.
الاجتماعات الطويلة مش بس بتأخر الإنجاز، هي كمان بتقتل الحماس.
الناس بتحس إنها محاصرة في دوامة كلام، وبتبدأ تفقد الإحساس بالجدوى.
وبعد فترة، بيصير الحضور للاجتماع واجب شكلي مش أكثر.
حضور بالجسد فقط، والعقل غائب تماماً.
الاجتماع القصير: فن التنظيم لا العجلة
في ناس بتفهم غلط فكرة الاجتماعات القصيرة.
بيفكروا إنو القصر يعني السرعة أو العجلة.
بس الحقيقة إن الاجتماع القصير الفعال هو نتاج تحضير دقيق جداً.
لأنك لما بتحضر جدول واضح، وتحدد الهدف مسبقاً، وتختار الأشخاص الصح، ما في داعي تطول بالنقاش.
كل واحد بيعرف دوره، الكل بيحكي ضمن النقطة المطلوبة فقط، وبيطلعوا بقرار نهائي.
الاجتماع القصير الفعّال هو نتيجة ثقافة مؤسسية واعية بتحترم الوقت والنتائج.
فيه التزام بالمواعيد، وضبط للمداخلات، ومسؤولية مشتركة على الخروج بخلاصة.
بعض العلامات إن اجتماعك فاشل:
-
ما في جدول واضح قبل الاجتماع.
-
المشاركين مش عارفين الهدف.
-
الوقت غير محدد أو مفتوح.
-
النقاش بيتحول لمهاترات أو قصص شخصية.
-
ما في ملخص أو قرارات بنهاية الاجتماع.
-
الناس بتطلع من الاجتماع بنفس الغموض اللي دخلت فيه.
لو أي من هاي العلامات موجودة، فاجتماعك مش منتج حتى لو دام 10 ساعات.
كيف تصمم اجتماع فعّال بخمس خطوات:
-
اسأل نفسك: هل الاجتماع ضروري فعلاً؟ يمكن إيميل أو مكالمة سريعة تكفي.
-
حدد الهدف بوضوح: شو القرار المطلوب من الاجتماع؟
-
اختر المشاركين بحذر: فقط الناس المعنيين فعلاً بالموضوع.
-
حدد الوقت بدقة: 10 إلى 20 دقيقة كحد أقصى، والتزم فيها بصرامة.
-
أنهِ بنتائج واضحة: قائمة قرارات، مهام محددة، ومسؤولين عن كل نقطة.
الاجتماعات الطويلة تستهلك الذكاء الجماعي
الفريق الذكي ممكن يتحول لفريق مشتت لو الإدارة ما عندها قدرة على إدارة الوقت.
الاجتماعات الطويلة تقتل روح الفريق لأن الناس بتفقد التركيز، وبيبدأوا يتنافسوا بالكلام بدل الإنجاز.
بينما الاجتماعات القصيرة تحفظ الذكاء الجماعي وتستثمره بذكاء.
في النهاية، الفريق ما بينقاس بعدد الاجتماعات اللي عملها،
بل بعدد القرارات اللي نفذها والنتائج اللي حققها بعدها.
التأثير النفسي على الموظفين
الاجتماعات الطويلة المتكررة بتخلق ضغط نفسي خفي.
الناس بتحس إنها "محبوسة" بجدول مزدحم بدون فائدة، وهذا الشعور بيؤدي مع الوقت للإرهاق الذهني.
في دراسة لمؤسسة Atlassian الأسترالية، تبيّن أن الموظف العادي بيقضي أكثر من 31 ساعة شهرياً في اجتماعات غير مفيدة.
والأدهى: أكثر من 50% منهم بيحكوا إنهم "يتظاهرون بالاهتمام" لأنهم عارفين إن الاجتماع بلا جدوى.
هاي الحالة بتأثر سلباً على المزاج العام داخل الشركة، وبتقلل الإبداع لأن الكل بيصير خايف من طرح فكرة جديدة تنجرّ لاجتماع جديد بلا نهاية.
من الاجتماع إلى التنفيذ
الاجتماع الجيد مش هو اللي بينتهي بملف PDF جميل أو عرض باوربوينت منسق.
الاجتماع الجيد هو اللي بيبدأ التنفيذ بعده فوراً.
لأن قيمة النقاش تنتهي لما ينتهي الكلام، لكن القيمة الحقيقية تبدأ لما تتحول الأفكار لأفعال.
في كثير شركات عالمية بتقيس نجاح الاجتماعات مش بعدد الحضور، بل بعدد المهام اللي تم تنفيذها بعدها خلال أول 48 ساعة.
هاي الطريقة بتخليك تفهم إذا كان الاجتماع فعلاً منتج أو مجرد كلام جميل.
لما يصير “السكوت” أهم من “النقاش”
بعض أعظم الاجتماعات في التاريخ كانت هادئة جداً.
مش لأن الناس ما كانت عندها أفكار، بالعكس — لأن الكل كان مركز على الهدف مش على الثرثرة.
الصمت أحياناً بيولد قرارات أعقل من ألف نقاش مفتوح.
الاجتماعات القصيرة الفعالة فيها نوع من الهدوء، التركيز، والإحساس بالوقت.
الرسالة الأخيرة
الاجتماعات الطويلة مش دليل على الجدية.
الناس الجدية بتقيس نجاحها بالنتائج، مش بعدد الساعات اللي قضوها على الطاولة.
القيمة الحقيقية للاجتماع مش في المدة، بل في القرار اللي بيطلع منه.
لو قدرت تطلع من 10 دقايق بخطة تنفيذية، فإنت أنجزت أكثر من مئة اجتماع "مطوّل" بدون نتيجة.
احترام الوقت مش رفاهية، بل هو أساس الكفاءة.
والمؤسسة اللي تتعلم تختصر كلامها، هي المؤسسة اللي رح تسبق الكل بالفعل.
المصادر:
-
Harvard Business Review – “Stop the Meeting Madness” (2017)
-
Atlassian Research Report – “State of Meetings and Productivity” (2021)