في عالم اليوم، صار “لينكدإن” المنصة الأولى لأي شخص حابب يبني صورة مهنية لنفسه، أو يدور على فرص، أو حتى يثبت حضوره بين الناس اللي شغالة في مجاله. بس الحقيقة اللي ناس كتير ما بتحبش تعترف بيها إن أغلب اللي بنشوفه هناك مش دايمًا حقيقي. المنصة اللي المفروض تكون مساحة مهنية للصدق والشفافية، بقت في كتير من الأحيان أشبه بمسرح كبير الكل فيه لابس “بدلة تمثيل” بيحاول يظهر بأفضل شكل ممكن حتى لو بعيد تمامًا عن الواقع.
المشكلة مش في لينكدإن نفسه، لكن في الطريقة اللي إحنا بنتعامل بيها معاه.
خلينا نحكي بصراحة، لأن ده مقال عن الحقيقة مش عن الصورة اللامعة اللي الناس بتحب تعرضها.
كل يوم لما تفتح لينكدإن هتلاقي بحر من “الألقاب” اللي ممكن تخلّي أي حد مبتدئ أو حتى محترف يحس بالإحباط. تشوف واحد كاتب في البايو بتاعه:
“Chief Growth Officer | Strategic Visionary | Business Transformation Expert”
ولما تدور في التفاصيل تكتشف إنه شغال في شركة صغيرة فيها تلاتة موظفين، ومهامه اليومية بتتلخص في متابعة البريد الإلكتروني وتنزيل صور على السوشيال ميديا.
مش تهكمًا على وظيفته أبدًا، بالعكس، أي شغل محترم، بس المشكلة في التهويل، في المبالغة اللي بقت جزء من الثقافة الرقمية.
الصورة اللامعة اللي بنصدقها
لينكدإن بيشتغل على نفس المبدأ اللي بتشتغل عليه كل منصات التواصل الاجتماعي: “الانطباع”.
زي ما الناس على إنستغرام بتحط أجمل صورها على البحر أو في المطاعم، الناس على لينكدإن بتحط أجمل نسخها المهنية.
كل واحد بيختار يظهر نفسه كشخص ناجح، منظم، عنده هدف، عنده إنجازات، عنده فريق بيسمع كلامه، وعنده حلم كبير ماشي وراه.
المشكلة إن اللي بيشوف الكلام ده بيبدأ يقارن نفسه، يقعد يقول:
“أنا ليه لسه ما وصلت لده؟ ليه فلان بقى مدير وأنا لسه محلل؟ ليه الناس دي عندها كل الشهادات دي وأنا مش قادر أبدأ حتى كورس واحد؟”
وهنا يبدأ الإحباط، يبدأ الشعور إنك متأخر، وإنك أقل، رغم إنك ممكن تكون ماشي في طريقك الطبيعي جدًا.
الألقاب اللي بتخدعك
أكتر حاجة بتسبب إحباط على لينكدإن هي الألقاب.
المسميات الوظيفية بقت أداة تسويق أكتر منها توصيف حقيقي للوظيفة.
تلاقي مثلًا واحد شغال لوحده في مشروع حر، كاتب في البايو:
“Founder & CEO at XYZ Solutions”
طيب فين الفريق؟ فين الشركة؟
هو في الحقيقة بيشتغل من اللابتوب بتاعه في الكافيه، ويمكن لسه بيبني مشروعه الأول، بس التايتل “CEO” بيدي إحساس بالقوة والسيطرة.
ولما تفتح حساب تاني تلاقي “Head of Operations” وهو في الحقيقة مسؤول عن متابعة جدول الموظفين في مطعم أو كافيه.
كل الناس بقت بتحب الألقاب الكبيرة لأنها بتدي انطباع بالهيبة والنجاح، لكن قليل اللي عنده الجرأة يكتب الوصف الحقيقي لوظيفته من غير ما يلمّعها.
الشهادات اللي ما بتقولش الحقيقة
في موجة تانية على لينكدإن وهي “الشهادات”.
كل يوم تلاقي ناس بتنزل بوستات:
“Finally got my PMP”
“Certified Digital Marketing Professional”
“AI Expert – Google Certificate”
وهنا تبدأ المقارنة تاني.
لكن هل الشهادة دي فعلًا بتعكس خبرة؟
ولا مجرد كورس أونلاين مدته ساعتين أخده الشخص عشان يملأ السيرة الذاتية بشعارات الشركات الكبيرة؟
أكيد في ناس بتتعب وبتتعلم، بس في المقابل في ناس تانية بتجمع الشهادات كأنها “ملصقات” على جدار الغرفة مش أدوات حقيقية بتنعكس في شغلهم اليومي.
فيه فرق بين شخص عنده شهادة وبين شخص فاهم الشهادة دي بتعني إيه وبيطبقها إزاي.
المقارنة اللي بتكسرك
أخطر حاجة بيعملها لينكدإن فينا هي المقارنة المستمرة.
كل يوم بتشوف أخبار “فلان ترقى”، “فلان بقى مدير إقليمي”، “فلان اشتغل في شركة عالمية”، “فلان سافر دبي أو ألمانيا”.
العقل البشري ما بيقدرش يمنع نفسه من المقارنة، فبتبدأ تسأل نفسك:
“هو أنا فاشل؟ هو أنا مش بكفي؟”
لكن الحقيقة إنك بتقارن نفسك بصورة غير حقيقية.
إنت بتشوف اللقطة الأخيرة من فيلم طويل، مش بتشوف الكواليس اللي فيها تعب، محاولات فاشلة، علاقات ساعدت، أو حتى حظ كويس.
الناس على لينكدإن نادرًا ما بتشارك إخفاقاتها، محدش بيقول “فشلت في المقابلة النهائية”، أو “اترفضت بعد 3 شهور تجربة”، أو “اتسرحت من الشغل فجأة”.
كلهم بيحكوا الجزء الجميل بس، والنتيجة إنك تفضل شايف نفسك أقل من اللي حواليك.
الحياه المهنية الحقيقية مش بوست ولا صورة
الحياة المهنية الحقيقية مش اللي بنشوفها في “بوست احترافي” مكتوب بلغة إنجليزية متقنة وهاشتاجات.
الحياة المهنية الحقيقية فيها تعب، فيها ضغط، فيها أخطاء، فيها ناس بتتعلم بالعافية، فيها مدراء مش عادلين، فيها فرص ضاعت، وفيها نجاحات حقيقية بس مش بالضرورة تبان على السوشيال ميديا.
النجاح الحقيقي مش دايمًا مصحوب بتايتل كبير ولا شهادة لامعة.
ممكن تلاقي موظف عادي جدًا، بس بيشتغل بإتقان، بيطور نفسه بهدوء، وبيتعلم من كل تجربة.
ده الشخص اللي هتلاقيه بعد خمس سنين سابق الكل، حتى الناس اللي كانت بتلمع نفسها أونلاين.
اللعبة النفسية اللي لازم توقفها
لينكدإن بيخلق جو نفسي مضغوط جدًا.
تحس إنك لو ما كتبتش بوست عن إنجازك كأنك مش موجود.
ولو ما حطيتش “Open to Work” مش هتلاقي شغل.
ولو ما أخدتش شهادة جديدة هتتأخر.
ولو ما كتبتش “I’m grateful to announce…” كأنك متخلف عن الركب.
لكن الحقيقة إن كل ده لعبة نفسية كبيرة.
المقياس مش كم بوست نزلت ولا كم شهادة جمعت، المقياس هو هل بتتعلم فعلًا؟ هل بتتطور؟ هل بتشتغل بضمير؟
ده اللي بيفرق في نهاية اليوم.
المظاهر المهنية الزائفة
النهارده بقت المظاهر المهنية أهم من المهارة الحقيقية.
فيه ناس بتقضي ساعات في تعديل الصورة الشخصية على لينكدإن، تظبط الإضاءة، الخلفية، الابتسامة، القميص، بدل ما تقضيها في تعلم مهارة جديدة.
فيه ناس بتكتب “Content Creator” لمجرد إنها نزلت بوستين، وناس بتكتب “Entrepreneur” لمجرد إنها فكرت في مشروع ولسه ما بدأتهوش.
الزيف بقى جزء من الثقافة، والناس بدأت تصدق كذبها لأن الكل بيعمل كده.
لكن الخطر الحقيقي مش في الزيف نفسه، بل في اللي بيصدقه، اللي يظن إن النجاح مجرد لقب أو صورة حلوة.
الهدوء المهني هو العلامة الحقيقية للنضج
الناس اللي فعلاً شغالة على نفسها بصدق، غالبًا مش بتتكلم كتير.
مش محتاجين يعلنوا عن كل خطوة، ولا يحكوا عن كل إنجاز.
تلاقيه بيشتغل في صمت، بيتعلم في الخفاء، وبيسيب النتائج تتكلم عنه.
ده النوع اللي لما يكتب بوست، الناس فعلاً توقف تقراه، مش عشان البريق، لكن عشان المصداقية.
المهني الحقيقي مش اللي بيتكلم كتير عن نفسه، المهني الحقيقي هو اللي بيخلي شغله يتكلم عنه.
نصيحة لكل واحد بيحس بالإحباط من لينكدإن
قبل ما تحكم على نفسك أو تحس إنك متأخر، افصل بين الحقيقة والصورة.
خد بالك إن اللي بتشوفه هناك مجرد “واجهة”.
النجاح الحقيقي بيحصل بعيد عن الكاميرا، في المكاتب الصغيرة، في الليالي اللي بتتعلم فيها لوحدك، في الفشل اللي محدش عارف عنه حاجة.
ما تسيبش المنصة دي تسرق ثقتك بنفسك.
استخدمها كأداة للتعلم مش للمقارنة، خليك واقعي، وافتكر إنك مش لازم تكون “CEO” عشان تبقى ناجح، ممكن تكون موظف صغير لكن عندك فكر كبير، وطموح صادق، ومجهود بيثمر ببطء بس بثبات.
الحقيقة المرة اللي لازم نواجهها
لينكدإن بقى مجتمع بيقيس النجاح بالمظاهر، لكن الناس اللي فعلاً بتصنع فرق مش فاضية تبهر الناس، هما فاضيين يشتغلوا.
الشغل الحقيقي بيحصل ورا الكواليس، بعيد عن البوستات والهاشتاجات.
الناس اللي بتتعلم بجد، اللي بتواجه الفشل، اللي بتغلط وبتصلح، هما دول اللي فعلاً بيبنوا مستقبلهم.
أما اللي عايشين على المظاهر، فغالبًا بعد كام سنة بيختفوا، لأن الصورة الوهمية عمرها قصير، أما الحقيقة فبتعيش.
في النهاية
لينكدإن مش عدوك، لكنه مش مرآة الحقيقة كمان.
هو أداة، زيه زي أي أداة تانية، تقدر تستخدمها لتكبر أو تسيبها تكسرك.
المطلوب بس تكون واعي، تعرف تفرّق بين المحتوى التسويقي والمحتوى الحقيقي، بين الشخص اللي بيشارك تجربة حقيقية والشخص اللي بيدوّر على لايكات.
المهارة الحقيقية مش في “كيف تبدو ناجحًا”، لكن في “كيف تصبح ناجحًا فعلًا”.
ركز على نفسك، على شغلك، على تطويرك، وسيب البريق للي بيحتاجه.
في النهاية، السوق مش بيختار الناس اللي عندها أكبر تايتل، السوق بيختار الناس اللي بتعرف تشتغل.
والحياة المهنية الحقيقية مش على لينكدإن، لكنها في المجهود اليومي، في الاتقان، في الصدق، وفي الرحلة اللي بتخليك إنسان أفضل قبل ما تكون محترف ناجح.
المصادر:
-
Harvard Business Review – “The Dark Side of LinkedIn: Comparison, Envy, and Career Anxiety”
-
Forbes – “Why LinkedIn Titles Don’t Reflect Reality (And What Actually Matters in Your Career)”